الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
ثُمَّ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ, أَوْ يَنْوِيَانِ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إثْرَ صَلاَةِ فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ. ثُمَّ يَجْتَنِبَانِ تَجْدِيدَ قَصْدٍ إلَى الطِّيبِ فَإِنْ مَسَّهُمَا مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ شَيْءٌ لَمْ يَضُرَّ; أَمَّا اجْتِنَابُ الْقَصْدِ إلَى الطِّيبِ فَلاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا, وأما إنْ مَسَّهُ شَيْءٌ مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ أَوْ غَيْرِهَا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ, فَلأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَهْيٌ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَنَسٍ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَصَابَهُ فَلَمْ يَغْسِلْهُ; وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ, وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ. وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ بِمَا هُوَ مُلْتَحِفٌ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ تَسْدُلَ الْمَرْأَةُ الثَّوْبَ مِنْ عَلَى رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا. أَمَّا أَمْرُ الْمَرْأَةِ, فَلاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا نَهَاهَا عَنْ النِّقَابِ، وَلاَ يُسَمَّى السَّدْلُ نِقَابًا فَإِنْ كَانَ " الْبُرْقُعُ " يُسَمَّى نِقَابًا, لَمْ يَحِلَّ لَهَا لِبَاسُهُ; وأما اللِّثَامُ فَإِنَّهُ نِقَابٌ بِلاَ شَكٍّ; فَلاَ يَحِلُّ لَهَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَصَحَّ خِلاَفُ هَذَا عَنْ غَيْرِهِ, كَمَا رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ كَانَتْ تُغَطِّي وَجْهَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ: سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ فَقَالَتْ: لاَ تَنْتَقِبُ, وَلاَ تَلْثِمُ, وَتَسْدُلُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا وَعَنْ عُثْمَانَ أَيْضًا ذَلِكَ, فَكَانَ الْمَرْجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا مَنَعَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ. وأما الرَّجُلُ: فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْفُرَافِصَةِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ, وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ, وَابْنُ الزُّبَيْرِ يُخَمِّرُونَ وُجُوهَهُمْ وَهُمْ مُحْرِمُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ, وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ مُخَمِّرًا وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ بِالْعَرْجِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْمُحْرِمُ يُغَطِّي مِنْ الْغُبَارِ وَيُغَطِّي وَجْهَهُ إذَا نَامَ وَيَغْتَسِلُ وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يُخَمِّرَانِ وُجُوهَهُمَا وَهُمَا مُحْرِمَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: الْمُحْرِمُ يُغَطِّي مَا دُونَ الْحَاجِبِ وَالْمَرْأَةُ تَسْدُلُ ثَوْبَهَا مِنْ قِبَلِ قَفَاهَا عَلَى هَامَتِهَا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَيْضًا: إبَاحَةُ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ, وَطَاوُسٍ, وَمُجَاهِدٍ, وَعَلْقَمَةَ, وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ كُلِّهِمْ أَفْتَى الْمُحْرِمَ بِتَغْطِيَةِ وَجْهِهِ وَبَيَّنَ بَعْضُهُمْ مِنْ الشَّمْسِ, وَالْغُبَارِ, وَالذُّبَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابِهِمْ وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لاَ يُغَطِّي الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ, وَلَمْ يَرَ عَلَى الْمُحْرِمِ إنْ غَطَّى وَجْهَهُ شَيْئًا لاَ فِدْيَةَ, وَلاَ صَدَقَةَ, وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ إلاَّ أَنَّهُ كَرِهَهُ فَقَطْ, بَلْ قَدْ رَوَى عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الذَّقَنُ مِنْ الرَّأْسِ فَلاَ تُغَطِّهِ, وَقَالَ: إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا, وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ: لاَ يُغَطِّي الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ. قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الْجُمْهُورِ; وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا: عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَوْفٍ, وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ, وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ, وَابْنَ عَبَّاسٍ, وَابْنَ الزُّبَيْرِ, وَجُمْهُورَ التَّابِعِينَ; فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِابْنِ عُمَرَ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَهْيَ الْمَرْأَةِ عَنْ أَنْ تَسْدُلَ عَلَى وَجْهِهَا وَقَدْ خَالَفُوهُ, وَرُوِّينَا عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا; فَمَرَّةً هُوَ حُجَّةٌ, وَمَرَّةً لَيْسَ هُوَ حُجَّةً, أُفٍّ لِهَذَا عَمَلاً. قال أبو محمد: وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا كَانَ الرَّجُلُ بِذَلِكَ أَحَقُّ لأَِنَّهُ أَغْلَظُ حَالاً مِنْهَا فِي الإِحْرَامِ. قال أبو محمد: وَالسُّنَّةُ قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الإِحْرَامِ فَوَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ فِي الإِحْرَامِ كَشْفُ رَأْسِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ, وَاتَّفَقَا فِي أَنْ لاَ يَلْبَسَا قُفَّازَيْنِ وَاخْتَلَفَا فِي الثِّيَابِ, فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا فِي تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ إنَّ هَذَا الْقِيَاسَ سَخِيفٌ جِدًّا, وَأَيْضًا: فَقَدْ كَذَبُوا وَمَا نُهِيَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهَا; بَلْ هُوَ مُبَاحٌ لَهَا فِي الإِحْرَامِ وَإِنْ نُهِيَتْ عَنْ النِّقَابِ فَقَطْ فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِهِ فِي الَّذِي مَاتَ مُحْرِمًا أَنْ لاَ يُخَمَّرَ رَأْسُهُ, وَلاَ وَجْهُهُ رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ جَمَّةٍ: مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ, وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ, وَلاَ تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَلاَ رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا. قال أبو محمد: إنَّ الْحَيَاءَ لَفَضِيلَةٌ, وَكَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مِنْ الإِيمَانِ, وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ, وَأَوَّلُ عَاصٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ فَلاَ يَرَوْنَ فِيمَنْ مَاتَ مُحْرِمًا أَنْ يُكْشَفَ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ; بَلْ يُغَطُّونَ كُلَّ ذَلِكَ ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِي أَنْ لاَ يُغَطِّيَ الْحَيُّ الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وَيَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا وَخَالَفَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ الْخَبَرِ عِنْدَهُمْ هُوَ, وَابْنُ عَبَّاسٍ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ وَهُوَ رَأْيٌ لِلْمُحْرِمِ الْحَيِّ أَنْ يُخَمِّرَ وَجْهَهُ; فَأَيْنَ لَك ذَلِكَ الأَصْلُ الْخَبِيثُ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْحَيَّ الْمُحْرِمَ لاَ يَلْزَمُهُ كَشْفُ وَجْهِهِ, وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كَشْفُ رَأْسِهِ فَقَطْ; فَإِذَا مَاتَ أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ حُكْمًا زَائِدًا وَهُوَ أَنْ لاَ يُخَمَّرَ وَجْهُهُ، وَلاَ رَأْسُهُ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ تَعَالَى, وَالْقِيَاسُ ضَلاَلٌ, وَزِيَادَةٌ فِي الدِّينِ شَرْعًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ تَغْطِيَةُ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ مَكْرُوهًا أَوْ مُحَرَّمًا, لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا لَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُبَاحٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ التَّلْبِيَةِ مِنْ حِينِ الإِحْرَامِ فَمَا بَعْدَهُ دَائِمًا فِي حَالِ الرُّكُوبِ, وَالْمَشْيِ, وَالنُّزُولِ, وَعَلَى كُلِّ حَالٍ, وَيَرْفَعُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ صَوْتَهُمَا بِهَا، وَلاَ بُدَّ, وَهُوَ فَرْضٌ وَلَوْ مَرَّةً وَهِيَ: لَبَّيْكَ, اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكُ لاَ شَرِيكَ لَك. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي دَاوُد الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي دَاوُد وَهُوَ بَدْرِيٌّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَجِّ, فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ, ثُمَّ لَبَّى دُبُرَ الصَّلاَةِ, ثُمَّ خَرَجَ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ, فَإِذَا رَاحِلَتُهُ قَائِمَةٌ فَلَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ أَهَلَّ ثُمَّ مَضَى, فَلَمَّا عَلاَ الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ حَيْثُ أَهَلَّ أَجْزَأَهُ لأَِنَّهُ فِعْلٌ لاَ أَمْرٌ حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: إنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّيًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ, اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ, وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لاَ يَزِيدُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ ". قال أبو محمد: وَقَدْ رَوَى غَيْرُهُ الزِّيَادَةَ, وَمَنْ زَادَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَحَسَنٌ, وَمَنْ اخْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ فَحَسَنٌ, كُلُّ ذَلِكَ ذِكْرٌ حَسَنٌ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، هُوَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ إلاَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ وَهُوَ ثِقَةٌ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ خَلاَّدِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ. قال أبو محمد: هَذَا أَمْرٌ, وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ. قال علي: وهذا خِلاَفٌ لِلسُّنَّةِ; وقال بعضهم: لاَ تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ. قال أبو محمد: هَذَا خَطَأٌ وَتَخْصِيصٌ بِلاَ دَلِيلٍ, وَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ, وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُنَّ وَهُنَّ فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ سَنَةً وَفُوَيْقَ ذَلِكَ; وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَاسْتِحْبَابِهِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا حُمَيْدٍ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ حَتَّى أَنِّي لاََسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ بَيْنَ الْجِبَالِ: وَبِهِ إلَى هُشَيْمٍ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَطِيَّةَ، حدثنا أَبُو حَازِمٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَبْلُغُوا الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ أَصْوَاتُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: قَدِمَتْ امْرَأَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ فَخَرَجَتْ مَعَ النَّاسِ وَلَمْ تُهِلَّ بِشَيْءٍ إلاَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى, فَقَالَ عَطَاءٌ: لاَ يُجْزِئُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ لَيْلَةَ النَّفَرِ فَسَمِعَ صَوْتَ تَلْبِيَةٍ فَقَالَ: مَنْ هَذَا قِيلَ: عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اعْتَمَرَتْ مِنْ التَّنْعِيمِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ سَأَلَنِي لاََخْبَرْته; فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تَرْفَعُ صَوْتَهَا حَتَّى يَسْمَعَهَا مُعَاوِيَةُ فِي حَالِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لاَ تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَرْفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ بِالتَّلْبِيَةِ قلنا: رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ هِيَ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ أَبِي عِيسَى الْحَنَّاطِ وَهُوَ ضَعِيفٌ, وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّا لَكَانَتْ رِوَايَةُ عَائِشَةَ مُوَافِقَةً لِلنَّصِّ. فَإِذَا قَدِمَ الْمُعْتَمِرُ, أَوْ الْمُعْتَمِرَةُ مَكَّةَ فَلْيَدْخُلاَ الْمَسْجِدَ، وَلاَ يَبْدَآ بِشَيْءٍ لاَ رَكْعَتَيْنِ، وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَصْدِ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَيُقَبِّلاَنِهِ, ثُمَّ يَلْقَيَانِ الْبَيْتَ عَلَى الْيَسَارِ، وَلاَ بُدَّ, ثُمَّ يَطُوفَانِ بِالْبَيْتِ مِنْ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ إلَى أَنْ يَرْجِعَا إلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ, مِنْهَا ثَلاَثُ مَرَّاتٍ خَبَبًا وَهُوَ مَشْيٌ فِيهِ سُرْعَةٌ, وَالأَرْبَعُ طَوَّافَاتِ الْبَوَاقِي مَشْيًا, وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَخُبَّ فِي الثَّلاَثِ الطَّوَّافَاتِ, وَهِيَ الأَشْوَاطُ مِنْ الرُّكْنِ الأَسْوَدِ مَارًّا عَلَى الْحَجَرِ إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ, ثُمَّ يَمْشِي رِفْقًا مِنْ الْيَمَانِيِّ إلَى الأَسْوَدِ فِي كُلِّ شَوْطٍ مِنْ الثَّلاَثَةِ فَذَلِكَ لَهُ وَكُلَّمَا مَرَّا عَلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ قَبَّلاَهُ, وَكَذَلِكَ الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ أَيْضًا فَقَطْ, فَإِذَا تَمَّ الطَّوَافُ الْمَذْكُورُ أَتَيَا إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام فَصَلَّيَا هُنَالِكَ رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَتَا فَرْضًا. ثُمَّ خَرَجَا، وَلاَ بُدَّ إلَى الصَّفَا فَصَعِدَا عَلَيْهِ, ثُمَّ هَبَطَا فَإِذَا صَارَا فِي بَطْنِ الْوَادِي أَسْرَعَ الرَّجُلُ الْمَشْيَ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْهُ ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَيَصْعَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ يَنْحَدِرَ كَذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الصَّفَا ثُمَّ يَرْجِعَ كَذَلِكَ إلَى الْمَرْوَةِ هَكَذَا حَتَّى يُتِمَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ: مِنْهَا ثَلاَثٌ خَبَبًا وَأَرْبَعٌ مَشْيًا, وَلَيْسَ الْخَبَبُ بَيْنَهُمَا فَرْضًا. ثُمَّ يَحْلِقُ الرَّجُلُ رَأْسَهُ, أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهِ، وَلاَ تَحْلِقُ الْمَرْأَةُ لَكِنْ تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا, وَقَدْ تَمَّتْ الْعُمْرَةُ وَحَلَّ لَهُمَا كُلُّ مَا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِمَا بِالإِحْرَامِ مِنْ لِبَاسٍ وَغَيْرِهِ. قال أبو محمد: لاَ خِلاَفَ فِيمَا ذَكَرْنَا إلاَّ فِي أَشْيَاءَ نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, وَهِيَ: وُجُوبُ الْخَبَبِ فِي الطَّوَافِ, وَجَوَازُ تَنْكِيسِ الطَّوَافِ بِأَنْ يَلْقَى الْبَيْتَ عَلَى الْيَمِينِ, وَوُجُوبُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُشْرِكُونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ عليه السلام عَلَى ذَلِكَ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمُلُوا وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ فَهَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ: وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ قُدَامَةَ، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْمُلُ الثَّلاَثَ وَيَمْشِي الأَرْبَعَ وَيَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَهَذَا بَيَانُ الرَّمَلِ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّلاَثَةِ الأَشْوَاطِ الآُوَلِ, وَأَنَّ الرَّمَلَ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الأَشْوَاطِ جَائِزٌ. فإن قيل: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الرَّمَلِ: لَيْسَ سُنَّةً, وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ قلنا: لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَسْأَلُكُمْ مَا قَوْلُكُمْ, وَقَوْلُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِيهِمْ لَوْ أَنَّهُمْ إذْ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَرْمُلُوا يَقُولُونَ لَهُ: لاَ نَفْعَلُ وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ أَعُصَاةً كَانُوا يَكُونُونَ أَمْ مُطِيعِينَ وأما وُجُوبُهُ: فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ, وَعَطَاءٍ, وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ, وَمَكْحُولٍ, لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَمَلٌ مِنْ طُرُقٍ لَوْ شِئْنَا لَتَكَلَّمَنَا فِي أَكْثَرِهَا لِضَعْفِهَا. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَعَطَاءٍ, لَيْسَ عَلَى مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ شَيْءٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا الثَّقَفِيُّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ حَبِيبٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ الْمُجَاوِرِ إذَا أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ هَلْ يَسْعَى الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ قَالَ: إنَّهُمْ يَسْعَوْنَ قَالَ: فأما ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الآفَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: خَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ, وَابْنُ عُمَرَ فَاعْتَمَرَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ لَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَكُنْت جَالِسًا عِنْدَ زَمْزَمَ فَلَمَّا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ نَادَاهُ ابْنُ عُمَرَ أَرْمِلْ الثَّلاَثَ الآُوَلَ فَرَمَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ السَّبْعَ كُلَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ, وَعَطَاءٍ قَالاَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ رَمَلٌ, وَلاَ عَلَى مَنْ أَهَلَّ مِنْهَا إلاَّ أَنْ يَجِيءَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ خَارِجٍ. فَهَذِهِ رِوَايَةٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِيجَابِ الرَّمَلِ عَلَى أَهْلِ الآفَاقِ. وَعَنْ الْحَسَنِ, وَعَطَاءٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ بِإِيجَابِهِ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ سَاكِنٌ بِمَكَّةَ, وَأَقَلُّ هَذَا أَنْ يَكُونَ اخْتِلاَفًا مِنْ قَوْلَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ, وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا تَرَكُوا فِيهِ الْجُمْهُورَ وَمَا انْفَرَدُوا بِهِ بِغَيْرِ سُنَّةٍ لَكِنْ بِرَأْيٍ; وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ, وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُهُ إذَا اُتُّبِعَتْ السُّنَّةُ فِي خِلاَفِهِ. وأما تَقْبِيلُ الرُّكْنَيْنِ فَسُنَّةٌ وَلَيْسَ فَرْضًا, لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ أَمْرٌ, وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ, وَقَدْ طَافَ عليه السلام رَاكِبًا يُشِيرُ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ إلَى الرُّكْنِ. وأما تَنْكِيسُ الطَّوَافِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَ تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ, وَتَنْكِيسَ الأَذَانِ, وَتَنْكِيسَ الإِقَامَةِ, وَتَنْكِيسَ الطَّوَافِ. قال أبو محمد: إذْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَبَبِ فِي الأَشْوَاطِ الْمَذْكُورَةِ فَقَدْ عَلَّمَهُمْ مِنْ أَيْنَ يَبْتَدِئُونَ وَكَيْفَ يَمْشُونَ فَصَارَ ذَلِكَ أَمْرًا, وَأَمْرُهُ عليه السلام فَرْضٌ, وَلاَ أَعْجَبُ مِمَّنْ لاَ يَرَى الْعُمْرَةَ, أَوْ الْحَجَّ يَبْطُلاَنِ بِمُخَالَفَةِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَرَاهُمَا يَبْطُلاَنِ بِمَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ أَمْرٌ بِذَلِكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى, وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَتَعَمُّدِ الإِمْنَاءِ فِي مُبَاشَرَةِ امْرَأَتِهِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وأما الطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْعُمْرَةِ فَإِنَّ أَنَسًا وَغَيْرَهُ قَالُوا: لَيْسَ فَرْضًا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: " فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا. قال أبو محمد: هَذَا قَوْلٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ إدْخَالٌ مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْعُمْرَةُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقْرَأُ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِثْلُ ذَلِكَ, وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ, وَمُجَاهِدٍ, وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: هُمَا تَطَوُّعٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى هَذَا الْقَوْلَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها إيجَابَ فَرْضِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا, وَقَالَتْ فِي هَذِهِ الآيَةِ: إنَّمَا نَزَلَتْ فِي نَاسٍ كَانُوا لاَ يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا; فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قال أبو محمد: لَوْ لَمْ تَكُنْ إلاَّ هَذِهِ الآيَةُ لَكَانَتْ غَيْرَ فَرْضٍ لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي فَرْضِ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ لِي: أَحَجَجْتَ فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ قَالَ قُلْتُ: لَبَّيْتُ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَقَدْ أَحْسَنْتَ طُفْ بِالْبَيْتِ, وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ. قَالَ عَلِيٌّ: بِهَذَا صَارَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْعُمْرَةِ فَرْضًا. وأما الرَّمَلُ بَيْنَهُمَا: فَ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غِيلاَنَ الْمَرْوَزِيِّ، حدثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ فَقَالَ: إنْ أَمْشِ فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي, وَإِنْ أَسْعَ فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْعَى. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ " اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ " فَإِنَّمَا رَوَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ عَنْ امْرَأَةٍ لَمْ تُسَمَّ; وَقَدْ قِيلَ: هِيَ بِنْتُ أَبِي تَجْرَاةَ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ, وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِوُجُوبِهِ, وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْخَبَبِ الْمَذْكُورِ مَشَى، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلاَ يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِالْحَجِّ تَصَيُّدُ شَيْءٍ مِمَّا يُصَادُ لِيُؤْكَلَ, وَلاَ وَطْءٌ كَانَ لَهُ حَلاَلاً قَبْلَ إحْرَامِهِ, وَلاَ لِبَاسُ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لِبَاسِ الْمُحْرِمِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ إمَّا مِنْ أَهْلِهَا, أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لِلإِحْرَامِ بِهَا إلَى الْحِلِّ، وَلاَ بُدَّ فَيَخْرُجَ إلَى أَيِّ الْحِلِّ شَاءَ, وَيُهِلُّ بِهَا فَلاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إلَى التَّنْعِيمِ لِيَعْتَمِرَ مِنْهُ وَاعْتَمَرَ عليه السلام مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَوَجَبَ ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ خَاصَّةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ الأَسْوَدِ، حدثنا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ أَخَاهَا أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَانْتَظَرَهَا عليه السلام بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ. وأما مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ إذَا جَاءَ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ, أَوْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ, وَالْهَدْيُ إمَّا مِنْ الإِبِلِ, أَوْ الْبَقَرِ, أَوْ الْغَنَمِ, فَإِنْ كَانَ لاَ هَدْيَ مَعَهُ وَهَذَا هُوَ الأَفْضَلُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَلاَ بُدَّ لاَ يَجُوزُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ; فَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ; أَوْ بِقِرَانِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَفْسَخَ إهْلاَلَهُ ذَلِكَ بِعُمْرَةٍ يَحِلُّ إذَا أَتَمَّهَا, لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ; ثُمَّ إذَا أَحَلَّ مِنْهَا ابْتَدَأَ الإِهْلاَلَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا مِنْ مَكَّةَ وَهَذَا يُسَمَّى: مُتَمَتِّعًا. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ سَاقَهُ مَعَ نَفْسِهِ فَنَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يُشْعِرَ هَدْيَهُ إنْ كَانَ مِنْ الإِبِلِ, وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَهُ بِحَدِيدَةٍ فِي الْجَانِبِ الأَيْمَنِ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى يُدْمِيَهُ ثُمَّ يُقَلِّدَهُ, وَهُوَ أَنْ يَرْبِطَ نَعْلاً فِي حَبْلٍ وَيُعَلِّقُهَا فِي عُنُقِ الْهَدْيِ وَإِنْ جَلَّلَهُ بِجَلٍّ فَحَسَنٌ, فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ مِنْ الْغَنَمِ فَلاَ إشْعَارَ فِيهِ لَكِنْ يُقَلِّدُهُ رُقْعَةَ جِلْدٍ فِي عُنُقِهِ; فَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَقَرِ فَلاَ إشْعَارَ فِيهِ، وَلاَ تَقْلِيدَ كَانَتْ لَهُ أَسْنِمَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ. ثُمَّ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ مَعًا, لاَ يُجْزِئُهُ إلاَّ ذَلِكَ، وَلاَ بُدَّ; وَإِنْ قَالَ: لَبَّيْكَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ; أَوْ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا, أَوْ حَجَّةً وَعُمْرَةً; أَوْ نَوَى كُلَّ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ, وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ; وَهَذَا يُسَمَّى: الْقِرَانَ. وَمَنْ سَاقَ مِنْ الْمُعْتَمِرِينَ الْهَدْيَ فَعَلَ فِيهِ مِنْ الإِشْعَارِ, وَالتَّقْلِيدِ مَا ذَكَرْنَا; وَنُحِبُّ لَهُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَشْتَرِطَ فَيَقُولَ عِنْدَ إهْلاَلِهِ: اللَّهُمَّ إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي, فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فَأَصَابَهُ أَمْرٌ مَا يَعُوقُهُ عَنْ تَمَامِ مَا خَرَجَ لَهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَحَلَّ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ; لاَ هَدْيَ، وَلاَ قَضَاءَ إلاَّ إنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، وَلاَ اعْتَمَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ وَعُمْرَتَهُ. بُرْهَانُ مَا ذَكَرْنَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ, أَوْ عُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ, وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ, وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ, قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ, وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ; وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ. قال أبو محمد: فَهَذَا أَوَّلُ أَمْرِهِ عليه السلام بِذِي الْحُلَيْفَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ الإِهْلاَلَ بِلاَ شَكٍّ, إذْ هُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ نَافِعٍ قَالَ: قَدِمْت مَكَّة مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَةٍ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ النَّاسُ: تَصِيرُ حَجَّتُك الآنَ مَكِّيَّةً فَدَخَلْت عَلَى عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ, وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ فَطُوفُوا بِالْبَيْتِ, وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, وَقَصِّرُوا وَأَقِيمُوا حَلاَلاً حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّذِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ، حدثنا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: حَتَّى إذَا كَانَ آخِرَ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ, قَالَ عليه السلام: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الآُخْرَى وَقَالَ: دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ, لاَ بَلْ لاَِبَدٍ أَبَدٍ. حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حدثنا وُهَيْبٍ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، حدثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى الصُّبْحِ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا, فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ. حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ، حدثنا عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَالِكٌ, وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ, ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، وَلاَ يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. قال أبو محمد: فَفِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ بُرْهَانُ كُلِّ مَا قلنا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ: فَفِي الأَوَّلِ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَلاَ هَدْيَ مَعَهُ بِأَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَلاَ بُدَّ, ثُمَّ يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَيَصِيرُ مُتَمَتِّعًا. وَفِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ قَارِنًا، وَلاَ هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَلاَ بُدَّ; ثُمَّ يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَيَصِيرُ أَيْضًا مُتَمَتِّعًا. وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي الَّذِي مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم كُلُّ مَنْ لاَ هَدْيَ مَعَهُ عُمُومًا بِأَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ, وَأَنَّ هَذَا هُوَ آخِرُ أَمْرِهِ عَلَى الصَّفَا بِمَكَّةَ; وَأَنَّهُ عليه السلام أَخْبَرَ بِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ مَعَهُ, وَتَأَسَّفَ إذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُوَ, وَأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَقَدْ أَمِنَّا أَنْ يُنْسَخَ أَبَدًا; وَمَنْ أَجَازَ نَسْخَ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ فَقَدْ أَجَازَ الْكَذِبَ عَلَى خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا تَعَمُّدُهُ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ; وَفِيهِ أَنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا لأَِنَّ الْحَجَّ لاَ يَجُوزُ إلاَّ بِعُمْرَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ لَهُ يَكُونُ بِهَا مُتَمَتِّعًا أَوْ بِعُمْرَةٍ مَقْرُونَةٍ مَعَهُ، وَلاَ مَزِيدَ. وَفِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَقْرُنَ بَيْنَ الْحَجِّ, وَالْعُمْرَةِ :. وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ, وَمُجَاهِدٌ, وَعَطَاءٌ, وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ, وَغَيْرُهُ حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ، حدثنا أَبُو إسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حدثنا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنِي يُونُسُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا طَافَ رَجُلٌ بِالْبَيْتِ إنْ كَانَ حَاجًّا إلاَّ حَلَّ بِعُمْرَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ, وَلاَ طَافَ وَمَعَهُ هَدْيٌ إلاَّ اجْتَمَعَتْ لَهُ: حَجَّةٌ, وَعُمْرَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، حدثنا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجٌّ، وَلاَ غَيْرُ حَاجٍّ إلاَّ حَلَّ. فَقُلْت لِعَطَاءٍ: مِنْ أَيْنَ تَقُولُ ذَلِكَ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قُلْت: فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُوَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ. وَكَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ, وَمُجَاهِدٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَأْمُرُ الْقَارِنَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَاَللَّهِ مَا تَمَّتْ حَجَّةُ رَجُلٍ قَطُّ إلاَّ بِمُتْعَةٍ إلاَّ رَجُلٌ اعْتَمَرَ فِي وَسَطِ السَّنَةِ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلاَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ قُلْتُ: لاَ, قَالَ: طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ, فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي فَكُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ فِي إمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ, وَإِمَارَةِ عُمَرَ; فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيْءٍ فَلْيَتَّئِدْ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ فَأَتَمُّوا بِهِ, فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هَذَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ قَالَ: إنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: قال أبو محمد: هَذَا أَبُو مُوسَى قَدْ أَفْتَى بِمَا قلنا مُدَّةَ إمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما, وَلَيْسَ تَوَقُّفُهُ لِمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَتَوَقَّفَ لَهُ حُجَّةٌ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحَسْبُنَا قَوْلُهُ لِعُمَرَ مَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عُمَرُ. وأما قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وأما كَوْنُهُ عليه السلام لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ فَإِنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ابْنَتَهُ حَفْصَةُ رضي الله عنها رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيَانَ فِعْلِهِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ: إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَلِيٌّ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حدثنا حَجَّاجٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرِ، حدثنا يُونُسُ يَعْنِي أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيعِيَّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْبَرَاءِ، هُوَ ابْنُ عَازِبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: إنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ, لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ, وَلَكِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ. فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ رَأْيٍ رَآهُ عُمَرُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ رُجُوعُهُ عَنْهُ; وَقَدْ خَالَفُوهُ فِيهِ أَيْضًا كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي كِتَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلْيَسُقْ هَدْيَهُ مَعَهُ حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الطَّلْمَنْكِيُّ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ قَالَ: حَجَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَحَجَجْت مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْحَسَنِ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إنِّي رَجُلٌ بَعِيدُ الشُّقَّةِ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ وَإِنِّي قَدِمْت مُهِلًّا بِالْحَجِّ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: اجْعَلْهَا عُمْرَةً وَأَحِلَّ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَى الْحَسَنِ وَشَاعَ قَوْلُهُ بِمَكَّةَ فَأَتَى عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: صَدَقَ الشَّيْخُ, وَلَكِنَّا نَفْرُقُ أَنْ نَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ. قال أبو محمد: لَيْسَ إنْكَارُ أَهْلِ الْجَهْلِ حُجَّةً عَلَى سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: مَنْ أَهَلَّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ لَهُ مُتْعَةٌ بِالْحَجِّ خَالِصًا أَوْ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ فَهِيَ مُتْعَةُ سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ فَقَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُفْرِدُ الْحَجَّ وَيَذْبَحُ فَقَدْ دَخَلَتْ لَهُ عُمْرَةٌ فِي الْحَجِّ فَوَجَبَتَا لَهُ جَمِيعًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ: أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: مَنْ جَاءَ حَاجًّا فَأَهْدَى هَدْيًا فَلَهُ عُمْرَةٌ مَعَ حَجَّةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، حدثنا خُصَيْفٌ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَأْمُرُ الْقَارِنَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ قَالَ خُصَيْفٌ: وَكُنْت مَعَ مُجَاهِدٍ فَأَتَاهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُلَيْمٍ وَقَدْ خَرَجَ حَاجًّا فَسَأَلَ مُجَاهِدًا فَقَالَ لَهُ مُجَاهِدٌ: اجْعَلْهَا عُمْرَةً, فَقَالَ: هَذَا أَوَّلُ مَا حَجَجْت فَلاَ تُشَايِعُنِي نَفْسِي فَأَيُّ ذَلِكَ تَرَى أَتَمَّ أَنْ أَمْكُثَ كَمَا أَنَا أَوْ أَجْعَلَهَا عُمْرَةً قَالَ خُصَيْفٌ: فَقُلْت لَهُ: أَظُنُّ هَذَا أَتَمَّ لِحَجِّك أَنْ تَمْكُثَ كَمَا أَنْتَ فَرَفَعَ مُجَاهِدٌ تَبِنَةً مِنْ الأَرْضِ وَقَالَ: مَا هُوَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا, وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي, وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِإِبَاحَةِ فَسْخِ الْحَجِّ لاَ بِإِيجَابِهِ وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ, وَمَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ عَلِيٌّ: رَوَى أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لاَ هَدْيَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُ بِعُمْرَةٍ وَيَحِلَّ بِأَوْكَدِ أَمْرٍ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ, وَعَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ, وَحَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ, وَفَاطِمَةُ بِنْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم , وَعَلِيٌّ, وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ, وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ, وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, وَأَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ, وَابْنُ عُمَرَ, وَسَبْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ, وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ, وَسُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ, وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم; وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ مِنْ التَّابِعِينَ; وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ مَنْ لاَ يُحْصِيهِ إلاَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, فَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْ هَذَا. وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ كُلَّ هَذَا بِاعْتِرَاضَاتٍ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا; مِنْهَا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ, وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ; وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ, فأما مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ, وأما مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ, وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ ذَكَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَحَلَّ فَقَالَ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ: قَالَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ, ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ, ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ, ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْته أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ, ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ, ثُمَّ مُعَاوِيَةُ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ, ثُمَّ حَجَجْت مَعَ الزُّبَيْرِ أَبِي فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ, ثُمَّ رَأَيْت الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ, ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ، وَلاَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حِينَ يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ أَوَّلَ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لاَ يَحِلُّونَ, وَقَدْ رَأَيْت أُمِّي, وَخَالَتِي تَقْدُمَانِ لاَ تَبْدَآنِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ لاَ تَحِلاَّنِ, وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَقْبَلَتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ بِعُمْرَةٍ قَطُّ فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا, وَقَدْ كَذَبَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ ". وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْحَجِّ ثُمَّ ذَكَرْت أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ, أَوْ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ فَلَمْ يَحْلِلْ حَتَّى قَضَى مَنَاسِكَ الْحَجِّ, وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ حَجًّا ". قال أبو محمد: حَدِيثُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ, وَحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْهَا مُنْكَرَانِ, وَخَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ السَّقَطِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُتَّلِيُّ، حدثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْجَوْهَرِيُّ السُّدَّانِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَثْرَمُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا فَقَالَ أَحْمَدُ: إيشِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْعَجَبِ هَذَا خَطَأٌ, قَالَ الأَثْرَمُ: فَقُلْت لَهُ: الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِخِلاَفِهِ قَالَ أَحْمَدُ: نَعَمْ, وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. قال أبو محمد: وَلاَِبِي الأَسْوَدِ الْمَذْكُورِ حَدِيثٌ آخَرُ فِي هَذَا الْبَابِ لاَ خَفَاءَ بِفَسَادِهِ, وَهُوَ خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَاهُنَا, وَنَحْنُ يَوْمئِذٍ خِفَافٌ قَلِيلٌ ظَهْرُنَا قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا فَاعْتَمَرْت أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ, وَالزُّبَيْرُ, وَفُلاَنٌ, وَفُلاَنٌ; فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنْ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ. قال علي: وهذا بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ; لأَِنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها لَمْ تَعْتَمِرْ فِي عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ الْحَجِّ أَصْلاً; لأَِنَّهَا دَخَلَتْ وَهِيَ حَائِضٌ حَاضَتْ بِسَرَفٍ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ إلاَّ بَعْدَ أَنْ طَهُرَتْ يَوْمَ النَّحْرِ هَذَا أَمْرٌ فِي شُهْرَةِ الشَّمْسِ; وَلِذَلِكَ رَغِبَتْ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَعْمُرَهَا بَعْدَ الْحَجِّ فَأَعْمَرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلِّهَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ, وَرَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ: عُرْوَةُ, وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, وَطَاوُسٌ, وَمُجَاهِدٌ, وَالأَسْوَدُ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ. وَبَلِيَّةٌ أُخْرَى فِي هَذَا الْخَبَرِ وَهِيَ قَوْلُهُ فِيهِ: ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنْ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ, وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ, لأَِنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ; وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ, وَابْنَ عَبَّاسٍ, كُلَّهُمْ رَوَوْا: أَنَّ الإِحْلاَلَ كَانَ يَوْمَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ إهْلاَلَهُمْ بِالْحَجِّ كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ يَوْمُ مِنًى وَبَيْنَ يَوْمِ إحْلاَلِهِمْ يَوْمَ إهْلاَلِهِمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلاَ شَكٍّ; لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ, وَالأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كُتُبِنَا وَذَكَرَهَا النَّاسُ وَكُلُّ مَنْ جَمَعَ فِي الْمُسْنَدِ; فَظَهَرَ عَوَارُ رِوَايَةِ أَبِي الأَسْوَدِ. وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لاَ هَدْيَ لَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ وَأَنَّهُمْ فَسَخُوهُ, وَلاَ يُعْدَلُ أَبُو الأَسْوَدِ بِالزُّهْرِيِّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيُقَصِّرُ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ; قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ: إنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ مَنْ لاَ يُذْكَرُ مَعَهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ وَهُمْ: الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ; وَالأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ, وَذَكْوَانُ مَوْلاَهَا وَكَانَ يَؤُمُّهَا, وَعَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ أَخَصُّ بِعَائِشَةَ وَأَعْلَمُ وَأَضْبَطُ وَأَوْثَقُ مِنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغَيْلاَنِيُّ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ الْعَقَدِيُّ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ: وَفِيهِ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَِصْحَابِهِ: اجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَأَحَلَّ النَّاسُ إلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ, فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ, وَعُمَرَ, وَذَوِي الْيَسَارَةِ ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا. وَيَكْفِي مِنْ كُلِّ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الأَخْبَارَ الثَّلاَثَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الأَسْوَدِ, وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّمَا هِيَ مَوْقُوفَةٌ لاَ مُسْنَدَةٌ, وَلاَ حُجَّةَ فِي مَوْقُوفٍ فَكَيْفَ إذَا رَوَى بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ التَّابِعِينَ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفَ ذَلِكَ وَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لِحَدِيثَيْ أَبِي الأَسْوَدِ, وَحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا: إنَّ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِحَجٍّ, أَوْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ لَمْ يَحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ إنَّمَا كَانُوا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا أَوْ أَضَافَ الْعُمْرَةَ إلَى الْحَجِّ كَمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَتَخْرُجُ حِينَئِذٍ هَذِهِ الأَخْبَارُ سَالِمَةً لأَِنَّ مَا رَوَتْهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا فِيهِ زِيَادَةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا أَبُو الأَسْوَدِ, وَلاَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ كَانَ مَا رَوَيَا مُسْنَدًا فَكَيْفَ وَلَيْسَ مُسْنَدًا وَنَحْمِلُ حَدِيثَ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ فِي حَجِّ أَبِي بَكْرٍ, وَعُمَرَ, وَسَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَسُوقُونَ الْهَدْيَ فَتَتَّفِقُ الأَخْبَارُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِنَهْيِ عُمَرَ, وَعُثْمَانَ عَنْ ذَلِكَ. قال أبو محمد: هَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ لأَِنَّهُ إنْ كَانَ نَهْيُهُمَا رضي الله عنهما حُجَّةً فَقَدْ صَحَّ عنهما النَّهْيُ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ, وَهُمْ يُخَالِفُونَهُمَا فِي ذَلِكَ حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الطَّلْمَنْكِيُّ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ, وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ هُشَيْمٌ: أَنَا خَالِدُ هُوَ الْحَذَّاءُ وَقَالَ حَمَّادٌ: عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ثُمَّ اتَّفَقَ أَيُّوبُ, وَخَالِدٌ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أُنْهِي عنهما وَأَضْرِبُ عَلَيْهِمَا; هَذَا لَفْظُ أَيُّوبَ; وَفِي رِوَايَةِ خَالِدٍ: أَنَا أُنْهِي عنهما, وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا: مُتْعَةُ النِّسَاء, وَمُتْعَةُ الْحَجِّ. وَبِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عُثْمَانَ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ وَبِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ نَبِيهٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ سَمِعَ رَجُلاً يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْمُهِلِّ; فَضَرَبَهُ وَحَلَقَهُ. قال أبو محمد: وَهُمْ يُخَالِفُونَهُمَا وَيُجِيزُونَ الْمُتْعَةَ حَتَّى أَنَّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ أَفْضَلُ مِنْ الإِفْرَادِ, فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ نَهْيَ عُمَرَ, وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما عَنْ فَسْخِ الْحَجِّ حُجَّةً وَلَمْ يَجْعَلْ نَهْيَهُمَا عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَضَرْبَهُمَا عَلَيْهَا حُجَّةً إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَبَاحَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُ قلنا: وَقَدْ أَوْجَبَ فَسْخَ الْحَجِّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، وَلاَ فَرْقَ: وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ، حدثنا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السِّجِسْتَانِيُّ، حدثنا الْفِرْيَابِيُّ، حدثنا أَبَانُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ, إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَلَّ لَنَا الْمُتْعَةَ ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْنَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ رُخْصَةً لَنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ عُثْمَانَ: كَانَتْ مُتْعَةُ الْحَجِّ لَنَا لَيْسَتْ لَكُمْ. قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ خَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ, وَالشَّافِعِيُّونَ, لأَِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى إبَاحَةِ مُتْعَةِ الْحَجِّ وأما حَدِيثُ عُمَرَ فَإِنَّمَا هُوَ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ بِلاَ شَكٍّ, لأَِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ الرُّجُوعُ إلَى الْقَوْلِ بِهَا فِي الْحَجِّ; وَهَؤُلاَءِ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْخَبَرِ إنْ كَانَ مَحْمُولاً عِنْدَهُمْ عَلَى مُتْعَةِ الْحَجِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَوْ اعْتَمَرْت فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ حَجَجْت لَجَعَلْت مَعَ حَجَّتِي عُمْرَةً. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِهِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُرَقَّعِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ فَسْخُ الْحَجِّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَنَا خَاصَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ سُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمِ بْنِ الأَسْوَدِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ فِيمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا عُمْرَةً: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلاَّ لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ; وَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لأَِحَدٍ بَعْدَنَا أَنْ يَجْعَلَ حَجَّتَهُ عُمْرَةً إنَّمَا كَانَتْ لَنَا رُخْصَةً أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم . قال أبو محمد: إنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ إنَّ مُتْعَةَ الْحَجِّ خَاصَّةً لَهُمْ حُجَّةٌ فَلَيْسَ قَوْلُهُ: إنَّ فَسْخَ الْحَجِّ خَاصَّةً لَهُمْ حُجَّةٌ; لاَ سِيَّمَا وَذَلِكَ الإِسْنَادُ عَنْهُ صَحِيحٌ; لأَِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ; وَهَذِهِ الأَسَانِيدُ عَنْهُ وَاهِيَةٌ; لأَِنَّهَا عَنْ الْمُرَقَّعِ, وَسُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمٍ, وَهُمَا مَجْهُولاَنِ. وَعَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ, وَأَبُو مُوسَى فَلَمْ يَرَيَا ذَلِكَ خَاصَّةً. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَنَّهَا خَاصَّةٌ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ إلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ; لأَِنَّ أَوَامِرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى لُزُومِ الإِنْسِ, وَالْجِنِّ, الطَّاعَةُ لَهَا وَالْعَمَلُ بِهَا. فإن قيل: هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ قلنا: فَيَجِبُ عَلَى هَذَا مَتَى وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَقُولُ فِي آيَةٍ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ أَنْ يُقَالَ بِقَوْلِهِ; وَأَقَرَّ بِذَلِكَ قَوْلَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ: إنَّهَا خَاصَّةٌ, وَقَدْ خَالَفُوا ذَلِكَ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ الرَّأْيِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَوْ لِمَنْ بَعْدَنَا قَالَ: لَكُمْ خَاصَّةً. قال أبو محمد الْحَارِثُ بْنُ بِلاَلٍ مَجْهُولٌ وَلَمْ يُخَرِّجْ أَحَدٌ هَذَا الْخَبَرَ فِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ; وَقَدْ صَحَّ خِلاَفُهُ بِيَقِينٍ; كَمَا أَوْرَدْنَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم إذْ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لاَِبَدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ لاَِبَدِ الأَبَدِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالاَ جَمِيعًا: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يُهِلُّونَ بِالْحَجِّ لاَ يَخْلِطُهُ شَيْءٌ; فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً, وَأَنْ نَحِلَّ إلَى نِسَائِنَا فَفَشَتْ فِي ذَلِكَ الْقَالَةُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا وَاَللَّهِ لاََنَا أَبَرُّ وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْهُمْ, وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ, وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لاََحْلَلْتُ فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ لَنَا أَوْ لِلأَبَدِ قَالَ: لاَ بَلْ لِلأَبَدِ. قال أبو محمد: وَهَكَذَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ جَابِرٍ:. قال أبو محمد: فَبَطَلَ التَّخْصِيصُ وَالنَّسْخُ وَأُمِنَ مِنْ ذَلِكَ أَبَدًا, وَوَاللَّهِ إنَّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ ثُمَّ عَارَضَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَلاَمِ أَحَدٍ وَلَوْ أَنَّهُ كَلاَمُ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةَ, وَعَائِشَةَ, وَأَبَوَيْهِمَا رضي الله عنهم لَهَالِكٌ; فَكَيْفَ بِأُكْذُوبَاتٍ كَنَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ الَّذِي هُوَ أَوْهَنُ الْبُيُوتِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلاَلٍ, وَالْمُرَقَّعِ, وَسُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمٍ الَّذِينَ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمْ فِي الْخَلْقِ, وَمُوسَى الرَّبَذِيِّ, وَكَفَاك وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ, وَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يَقْتَصِرَ بِقَوْلِهِ عليه السلام دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ جَوَازَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ دُونَ مَا بَيَّنَهُ جَابِرٌ, وَابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ إنْكَارِهِ عليه السلام أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ لَهُمْ خَاصَّةً أَوْ لِعَامِهِمْ دُونَ ذَلِكَ, وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِهَارًا. قال أبو محمد: وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِطَامَّةٍ, وَهِيَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَبَرَ الثَّابِتَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ فَقَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ " فَقَالَ قَائِلُهُمْ: إنَّمَا أَمَرَهُمْ عليه السلام بِذَلِكَ لِيُوقِفَهُمْ عَلَى جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَوْلاً وَعَمَلاً. قال أبو محمد: وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ; أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ لِيُعَلِّمَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَبْكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَبِحَقِّ أَمْرٍ أَمْ بِبَاطِلٍ فَإِنْ قَالُوا: بِبَاطِلٍ كَفَرُوا, وَإِنْ قَالُوا: بِحَقٍّ قلنا: فَلْيَكُنْ أَمْرُهُ عليه السلام بِذَلِكَ لاَِيِّ وَجْهٍ كَانَ قَدْ صَارَ حَقًّا وَاجِبًا, ثُمَّ لَوْ كَانَ هَذَا الْهَوَسُ الَّذِي قَالُوهُ فَلاَِيِّ مَعْنًى كَانَ يَخُصُّ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ دُونَ مَنْ سَاقَ وَأَطَمُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ هَذَا الْجَاهِلَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ بِهِمْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ قَبْلَ الْفَتْحِ, ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامَ الْفَتْحِ, ثُمَّ قَالَ لَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي ذِي الْحُلَيْفَةِ: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ, وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ, وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ; فَفَعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ, فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَبَلَغَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم مِنْ الْبَلاَدَةِ, وَالْبَلَهِ, وَالْجَهْلِ أَنْ لاَ يَعْرِفُوا مَعَ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْعُمْرَةَ جَائِزَةٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ عَمِلُوهَا مَعَهُ عليه السلام عَامًا بَعْدَ عَامٍ بَعْدَ عَامٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُمْ فِي عُمْرَةٍ لِيَعْلَمُوا جَوَازَ ذَلِكَ, تَاللَّهِ إنَّ الْحَمِيرَ لِتُمَيِّزَ الطَّرِيقَ مِنْ أَقَلَّ مِنْ هَذَا; فَكَمْ هَذَا الإِقْدَامُ وَالْجُرْأَةُ عَلَى مُدَافَعَةِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي نَصْرِ التَّقْلِيدِ مَرَّةً بِالْكَذِبِ الْمَفْضُوحِ, وَمَرَّةً بِالْحَمَاقَةِ الْمَشْهُورَةِ, وَمَرَّةً بِالْغَثَاثَةِ وَالْبَرْدِ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى السَّلاَمَةِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ الإِفْرَادِ بِالْحَجِّ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا. قال أبو محمد: كُلُّ مُسْلِمٍ فَلاَ يَشُكُّ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْلَمْ هَذَا إلاَّ بِوَحْيٍ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلاً، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ وَحْيَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُتْرَكُ بِشَكٍّ لأَِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَشُكُّ. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الشَّكَّ مِنْ قِبَلِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ لاَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِهِ عليه السلام لَكَانَ ذَلِكَ إذْ كَانَ الإِفْرَادُ مُبَاحًا, ثُمَّ نُسِخَ بِأَمْرِهِ عليه السلام مَنْ لاَ هَدْيَ مَعَهُ بِالْمُتْعَةِ، وَلاَ بُدَّ, وَمَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِالْقِرَانِ، وَلاَ بُدَّ. قَالَ عَلِيٌّ: فَظَهَرَ الْحَقُّ وَاضِحًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, وقال مالك: الإِفْرَادُ أَفْضَلُ, وَوَافَقَنَا هُوَ وَالشَّافِعِيُّ فِي صِفَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا, وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا لِمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَلِمَنْ لَمْ يَسُقْهُ. وقال الشافعي مَرَّةً: الإِفْرَادُ أَفْضَلُ, وَمَرَّةً قَالَ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ, وَمَرَّةً قَالَ: الْقِرَانُ أَفْضَلُ; وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ جَائِزٌ كَمَا ذَكَرْنَا. وأما أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: الْقِرَانُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الإِفْرَادُ, وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ لِمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَلِمَنْ لَمْ يَسُقْهُ إلاَّ أَنَّهُ خَالَفَ فِي صِفَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وأما الإِشْعَارُ: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ، حدثنا قَالَ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلاَّسُ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ الأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا مِنْ الشِّقِّ الأَيْمَنِ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَبِهِ إلَى عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، حدثنا وَكِيعٌ حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشْعَرَ بُدْنَهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، هُوَ ابْنُ زِيَادٍ، حدثنا الأَعْمَشُ، حدثنا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كُنْت أَفْتِلُ الْقَلاَئِدَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلاَلاً. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ, وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَمَنْصُورٍ, كُلِّهِمْ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. قال أبو محمد: وَلَمْ يَأْتِ فِي الْبَقَرِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا, وَرُوِّينَا كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَلِيًّا بِأَنْ يَقْسِمَ لُحُومَ الْبُدْنِ وَجَلاَّلِهَا; فَصَحَّ التَّجْلِيلُ فِيهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مِسْهَرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لاَ هَدْيَ إلاَّ مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنْ شِئْت فَأَشْعِرْ, وَإِنْ شِئْت فَلاَ تُشْعِرْ, وَإِنْ شِئْت فَقَلِّدْ, وَإِنْ شِئْت فَلاَ تُقَلِّدْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي إشْعَارِ الْبَدَنَةِ فَقَالَتْ: إنْ شِئْت, إنَّمَا تُشْعِرُ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا بَدَنَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُشْعِرُ فِي الشِّقِّ الأَيْمَنِ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُشْعِرُهَا مِنْ الأَيْمَنِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا أَفْلَحُ، هُوَ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: رَأَيْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَشْعَرَهَا فِي الْجَانِبِ الأَيْمَنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ; وَأَبِي سُلَيْمَانَ; وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: رَأَيْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَفْتِلُ الْقَلاَئِدَ لِلْغَنَمِ تُسَاقُ مَعَهَا هَدْيًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْت الْغَنَمَ يُؤْتَى بِهَا مُقَلَّدَةً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ عَنْ بُرْدٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: رَأَيْت نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسُوقُونَ الْغَنَمَ مُقَلَّدَةً. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: رَأَيْت الْكِبَاشَ تُقَلَّدُ; وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ بَسَّامٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: رَأَيْت الْكِبَاشَ تُقَلَّدُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت الْغَنَمَ تُقَلَّدُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: رَأَيْت الْغَنَمَ تَقْدُمُ مَكَّةَ مُقَلَّدَةً. قال أبو محمد: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْرَهُ الإِشْعَارَ, وَهُوَ مُثْلَةٌ قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ طَامَّةٌ مِنْ طَوَامِّ الْعَالَمِ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ شَيْءٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُفٍّ لِكُلِّ عَقْلٍ يَتَعَقَّبُ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَلْزَمُهُ أَنْ تَكُونَ الْحِجَامَةُ, وَفَتْحُ الْعِرْقِ: مِثْلَهُ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ, وَأَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ مِنْ قَطْعِ الأَنْفِ, وَقَلْعِ الأَسْنَانِ, وَجَدْعِ الآُذُنَيْنِ: مُثْلَةٌ; وَأَنْ يَكُونَ قَطْعُ السَّارِقِ وَالْمُحَارِبِ: مُثْلَةً; وَالرَّجْمُ لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ: مُثْلَةً, وَالصَّلْبُ لِلْمُحَارِبِ: مُثْلَةً, إنَّمَا الْمُثْلَةُ فِعْلُ مَنْ بَلَّغَ نَفْسَهُ مَبْلَغَ انْتِقَادِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهَذَا هُوَ الَّذِي مَثَّلَ بِنَفْسِهِ; وَالإِشْعَارُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُثْلَةِ كَانَ قَبْلَ قِيَامِ ذَلِكَ بِأَعْوَامٍ; فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُثْلَةً وَهَذِهِ قَوْلَةٌ: لاَ يُعْلَمُ لاَِبِي حَنِيفَةَ فِيهَا مُتَقَدِّمٌ مِنْ السَّلَفِ, وَلاَ مُوَافِقٌ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ عَصْرِهِ إلاَّ مَنْ ابْتَلاَهُ اللَّهُ بِتَقْلِيدِهِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ, وَمَالِكٌ: يُشْعِرُ فِي الْجَانِبِ الأَيْسَرِ. قال أبو محمد: وَهَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَتْ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ أَشْعَرَهَا فِي الْجَانِبِ الأَيْسَرِ وَإِذَا كَانَتْ بَدَنَتَيْنِ قَلَّدَ إحْدَاهُمَا فِي الْجَانِبِ الأَيْمَنِ, وَالآُخْرَى فِي الأَيْسَرِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الإِشْعَارَ فِي الْجَانِبِ الأَيْسَرِ قلنا: هَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ; وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ هُوَ قَوْلُكُمْ, وَسَالِمٌ ابْنُهُ أَوْثَقُ وَأَجَلُّ وَأَعْلَمُ بِهِ مِنْ نَافِعٍ رَوَى عَنْهُ الإِشْعَارَ فِي الْجَانِبِ الأَيْمَنِ كَمَا أَوْرَدْنَا, وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِابْنِ عُمَرَ فِي فِعْلٍ قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِيهِ فَمَرَّةً عَلَيْهِمْ وَمَرَّةً لَيْسَ لَهُمْ, وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا قَوْلَهُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لاَ هَدْيَ إلاَّ مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ, وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا ذَكَرْنَا. فإن قيل: فَلِمَ لَمْ تَقُولُوا أَنْتُمْ: بِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ هَدْيًا إلاَّ مَا أَشْعَرَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُمْ آنِفًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأُشْعِرَ فِي سَنَامِهَا قلنا: لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَمْرٌ بِالإِشْعَارِ, وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَقُلْنَا بِإِيجَابِهِ مُسَارِعِينَ, وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا فَأُدْنِيَتْ إلَيْهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا; لأَِنَّهُ هُوَ عليه السلام تَوَلَّى بِيَدِهِ إشْعَارَهَا, بِذَلِكَ صَحَّ الأَثَرُ عَنْهُ عليه السلام كَمَا ذَكَرْنَا. وَرُوِّينَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ, وَابْنِ عُمَرَ إشْعَارَ الْبَقَرِ فِي أَسْنِمَتِهَا. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: الشَّاةُ لاَ تُقَلَّدُ. وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا فِي قَوْلِهِ فِي الْهَدْيِ, فَمِنْ الْبَاطِلِ احْتِجَاجُهُمْ بِمَنْ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِ. وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الإِبِلُ تُقَلَّدُ, وَتُشْعَرُ, وَالْغَنَمُ لاَ تُقَلَّدُ, وَلاَ تُشْعَرُ, وَالْبَقَرُ تُقَلَّدُ, وَلاَ تُشْعَرُ وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: لاَ تُقَلَّدُ الْغَنَمُ وَرَأَى مَالِكٌ إشْعَارَ الْبَقَرِ إنْ كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ. قال علي: وهذا خَطَأٌ وَمَقْلُوبٌ; بَلْ الإِبِلُ: تُقَلَّدُ, وَتُشْعَرُ; وَالْبَقَرُ: لاَ تُقَلَّدُ, وَلاَ تُشْعَرُ, وَالْغَنَمُ: تُقَلَّدُ, وَلاَ تُشْعَرُ. وقال أبو حنيفة: لاَ يُقَلَّدُ إلاَّ هَدْيُ الْمُتْعَةِ, وَالْقِرَانِ, وَالتَّطَوُّعِ مِنْ الإِبِلِ, وَالْبَقَرِ فَقَطْ: وَلاَ يُقَلَّدُ: هَدْيُ الإِحْصَارِ, وَلاَ الْجِمَاعِ, وَلاَ جَزَاءِ الصَّيْدِ. وقال مالك, وَالشَّافِعِيُّ: يُقَلَّدُ كُلُّ هَدْيٍ وَيُشْعَرُ; وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِعُمُومِ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَعْمَاهُ الْهَوَى وَأَصَمَّهُ: إنَّمَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ هَدْيِ الْغَنَمِ مُقَلَّدَةً; إنَّمَا هُوَ أَنَّهَا فَتَلَتْ قَلاَئِدَ الْهَدْيِ مِنْ الْغَنَمِ أَيْ مِنْ صُوفِ الْغَنَمِ:. قال أبو محمد: وَهَذَا اسْتِسْهَالٌ لِلْكَذِبِ الْبَحْتِ وَخِلاَفٌ لِمَا رَوَاهُ النَّاسُ عَنْهَا مِنْ إهْدَائِهِ عليه السلام الْغَنَمَ مُقَلَّدَةً وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وأما الاِشْتِرَاطُ: فَلِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيُّ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهَا: أَرَدْتِ الْحَجَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلاَّ وَجِعَةً فَقَالَ لَهَا: حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي, وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ لِضُبَاعَةَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ, وَعِكْرِمَةَ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, كُلِّهِمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ لِضُبَاعَةَ أَهِّلِي بِالْحَجِّ وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ ضُبَاعَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لاَ يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنْ حَجَجْت وَلَسْت صَرُورَةً فَاشْتَرَطَ إنْ أَصَابَنِي مَرَضٌ أَوْ كَسْرٌ أَوْ حَبْسٌ فَأَنَا حِلٌّ. وَرُوِّينَا أَيْضًا الأَمْرَ بِالاِشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ: وَكِيعٍ, وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ, وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ, كُلِّهِمْ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ, وَيَحْيَى, أَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَفْرِدْ الْحَجَّ وَاشْتَرِطْ, فَإِنَّ لَك مَا اشْتَرَطْت, وَلِلَّهِ عَلَيْك مَا شَرَطْت. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِثْلُ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى رَجُلاً وَاقِفًا بِعَرَفَةَ قَالَ لَهُ: أَشَارَطْتَ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ جَمَّةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مَيْسَرَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَجَّةٌ إنْ تَيَسَّرَتْ, أَوْ عُمْرَةٌ إنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَإِلاَّ فَلاَ حَرَجَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عُمَيْرَةَ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ مَسْعُودٍ: حُجَّ وَاشْتَرِطْ, وَقُلْ: اللَّهُمَّ الْحَجُّ أَرَدْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلاَّ فَعُمْرَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: اللَّهُمَّ لِلْحَجِّ خَرَجْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ قَضَيْت فَهُوَ الْحَجُّ وَإِنْ حَالَ دُونَهُ شَيْءٌ فَهِيَ عُمْرَةٌ; وَإِنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ عُرْوَةَ بِأَنْ يَشْتَرِطَ كَذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْمِنْهَالِ عَنْ عَمَّارٍ، هُوَ ابْنُ يَاسِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَرَدْت الْحَجَّ فَاشْتَرِطْ. وَمِنْ طَرِيقِ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالاِشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ. فَهَؤُلاَءِ: عُمَرُ, وَعُثْمَانُ, وَعَلِيٌّ وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ, وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ, وَابْنُ مَسْعُودٍ, وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمِنْ التَّابِعِينَ عُمَيْرَةُ بْنُ زِيَادٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يَشْتَرِطُونَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ إنْ تَيَسَّرَ, وَإِلاَّ فَعُمْرَةٌ إنْ تَيَسَّرَتْ, اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ إنْ تَيَسَّرَتْ وَإِلاَّ فَلاَ حَرَجَ عَلَيَّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا الرَّبِيعُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ, وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ, قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمُحْرِمِ يَشْتَرِطُ: قَالاَ جَمِيعًا: لَهُ شَرْطُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ عَلْقَمَةُ, وَالأَسْوَدُ يَشْتَرِطَانِ فِي الْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ أَرَدْت الْحَجَّ فَأَرْسِلْ إلَيَّ عَبِيدَةُ هُوَ السَّلْمَانِيُّ أَنْ اشْتَرِطْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَشْتَرِطُ فِي الْحَجِّ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّك قَدْ عَرَفْت نِيَّتِي وَمَا أُرِيدُ; فَإِنْ كَانَ أَمْرًا تُتِمُّهُ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ حَرَجَ. وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ فِي الْعُمْرَةِ; وَجَاءَ أَيْضًا نَصًّا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ, وَعِكْرِمَةَ وقال الشافعي: إنْ صَحَّ الْخَبَرُ قُلْت بِهِ. قال أبو محمد: قَدْ صَحَّ الْخَبَرُ وَبَالَغَ فِي الصِّحَّةِ فَهُوَ قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدُ, وَإِسْحَاقَ, وَأَبِي ثَوْرٍ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَأَلَ عَنْ الاِسْتِثْنَاءِ فِي الْحَجِّ قَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ. وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ اضْطِرَابًا فَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ، أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا عِنْدَ الإِحْرَامِ وَكَانُوا لاَ يَرَوْنَ الشَّرْطَ شَيْئًا لَوْ أَنَّ الرَّجُلَ اُبْتُلِيَ وَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ، أَنَّهُ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا فِي الْحَجِّ. قال أبو محمد: هَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ, مَرَّةً كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الشَّرْطَ, وَمَرَّةً كَانُوا يَكْرَهُونَهُ, فَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا تَرْكُ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ جُمْلَةً لاِضْطِرَابِهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالاَ: الْمُشْتَرِطُ وَغَيْرُ الْمُشْتَرِطِ سَوَاءٌ إذَا أَحْصَرَ فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ سَاقِطٌ عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ هَذَا, وَالصَّحِيحُ عَنْ عَطَاءٍ خِلاَفُ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الاِشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ شَيْئًا. وَعَنْ طَاوُسٍ الاِشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ لَيْسَ شَيْئًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الاِشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ شَيْئًا. وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَحَمَّادٍ مِثْلُ هَذَا; وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَالْحَنَفِيِّينَ. قال أبو محمد: وَشَغَبُوا فِي مُخَالَفَةِ السُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَنْ قَالُوا: هَذَا الْخَبَرُ خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ, لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ الآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لاَ عَلَيْنَا لأَِنَّهُمْ يُفْتُونَ مَنْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ أَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ; فَقَدْ خَالَفُوا الآيَةَ فِي إتْمَامِ الْحَجِّ; وأما نَحْنُ فَإِنَّا نَقُولُ: إنَّ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ وَأُمِرَ بِبَيَانِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَنَا قَدْ أَمَرَ بِالاِشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ، وَأَنَّ مَحِلَّهُ حَيْثُ حَبَسَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِالْقَدَرِ النَّافِذِ; فَنَحْنُ لَمْ نُخَالِفْ الآيَةَ إذَا أَخَذْنَا بِبَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهَا بِآرَائِكُمْ الْفَاسِدَةِ إلَى مُخَالَفَتِكُمْ السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ. وَقَالُوا: هَذَا الْخَبَرُ خِلاَفٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قال أبو محمد: وَمَنْ جَعَلَ هَذِهِ السُّنَّةَ مُعَارِضَةً لِلْقُرْآنِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الرِّوَايَةَ فِي الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى: لأَِنَّ حَدِيثَ الاِشْتِرَاطِ لَمْ يُضْطَرَبْ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ; وَقَدْ اضْطَرَبَ فِي حَدِيثِ الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ عَلَيْهَا وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ خَبَرٌ فِي تَحْدِيدِ الْقَطْعِ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بَلْ قَوْلُهُمْ هُوَ الْمُخَالِفُ لِلْقُرْآنِ حَقًّا; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: قال أبو محمد: هَذَا مِنْ أَعْجَبْ شَيْءٍ لأَِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ, وَالاِشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْصُوصٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قوله تعالى: وَإِنَّمَا الشُّرُوطُ الَّتِي لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي أَبَاحُوا: مِنْ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا عَلَى فُلاَنَةَ امْرَأَتِهِ فَهِيَ طَالِقٌ, وَكُلَّ أَمَةٍ اشْتَرَاهَا عَلَيْهَا فَهِيَ حُرَّةٌ. وَأَنْ يَكُونَ بَعْضُ الصَّدَاقِ لاَ يَلْزَمُ إلاَّ إلَى كَذَا وَكَذَا عَامًا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}. وَكَبَيْعِ السُّنْبُلِ وَعَلَى الْبَائِعِ دَرْسُهُ. وَكَنُزُولِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَبِأَيْدِيهِمْ الأَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يُمْنَعُوا مِنْ الْوَطْءِ لَهُنَّ، وَلاَ مِنْ رَدِّهِمْ إلَى بِلاَدِ الْكُفْرِ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي أَبَاحُوا; وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ عُرْوَةُ, وَعَطَاءٌ, وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ, وَطَاوُسٌ وَرُوِيَ عنهم خِلاَفُهُ. قال أبو محمد: فَقُلْنَا: سَمِعْنَاكُمْ تَقْبَلُونَ هَذَا فِي الصَّاحِبِ إذَا رَوَى الْخَبَرَ وَخَالَفَهُ فَأَنْكَرْنَاهُ حَتَّى أَتَيْتُمْ بِالآبِدَةِ إذْ جَعَلْتُمْ تَرْكَ التَّابِعِ لِمَا رَوَى حُجَّةً فِي تَرْكِ السُّنَنِ; وَهَذَا إنْ أَدْرَجْتُمُوهُ بَلَغَ إلَيْنَا وَإِلَى مَنْ بَعْدَنَا فَصَارَ كُلُّ مَنْ بَلَغَهُ حَدِيثٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَرَكَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ حُجَّةً فِي رَدِّ السُّنَنِ; وَهَذَا حُكْمُ إبْلِيسَ اللَّعِينِ, وَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ رَأْيِ مَنْ ذَكَرْتُمْ; وَإِنَّمَا أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ رِوَايَتِهِمْ; لأَِنَّهُمْ ثِقَاتٌ عُدُولٌ وَلَيْسُوا مَعْصُومِينَ مِنْ الْخَطَإِ فِي الرَّأْيِ. وَلاَ عَجَبَ مِمَّنْ يَعْتَرِضُ فِي رَدِّ السُّنَنِ بِأَنَّ طَاوُسًا, وَعَطَاءً, وَعُرْوَةَ, وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: خَالَفُوا مَا رَوَوْا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ لَوْ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى صَبْغِ قَمِيصِهِ أَخْضَرَ فَقَالُوا لَهُ: بَلْ اُصْبُغْهُ أَحْمَرَ لَمْ يَرَ رَأْيَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةً، وَلاَ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الأَخْذَ بِهِ ثُمَّ رَأْيُهُمْ حُجَّةٌ فِي مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَئِنْ كَانَ خَالَفَ هَؤُلاَءِ مَا رَوَوْا فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُخَالِفْهُ: كَعِكْرِمَةَ, وَعَطَاءٍ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْ عَطَاءٍ إلاَّ الْقَوْلُ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ, وَابْنِ عَبَّاسٍ, وَأَخَذَا بِهِ. وَقَالُوا: لَمْ يَعْرِفْهُ ابْنُ عُمَرَ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا فَقَدْ عَرَفَهُ: عُمَرُ, وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ, وَعَائِشَةُ, وَابْنُ مَسْعُودٍ, وَعَمَّارٌ, وَابْنُ عَبَّاسٍ, وَأَخَذُوا بِهِ, وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ بَلْ لَيْسَ لاِبْنِ عُمَرَ هَاهُنَا خِلاَفٌ; لأَِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِإِبْطَالِهِ, وَإِنَّمَا قَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ عُمَرَ رَأَى الاِشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَمَعَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ فَخَالَفُوهُ وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَعْرِفْهُ. وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الإِهْلاَلُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَمَعَهُ السُّنَّةُ فَخَالَفُوهُ وَتَعَلَّقُوا بِرِوَايَةٍ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَقَالَ عُمَرُ, وَعُثْمَانُ, بِالاِشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ فَخَالَفُوهُمَا وَمَعَهُمَا السُّنَّةُ وَتَعَلَّقُوا بِهِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْ فَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ إذْ جَاءَ عنهما خِلاَفُ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَأَنَّهُمْ مُغْرَمُونَ بِمُخَالَفَةِ السُّنَنِ, وَمُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ فِيمَا جَاءَ عنهم مِنْ مُوَافَقَةِ السُّنَنِ: وَالْقَوْمُ غَرْقَى فِي بِحَارِ هَوَاهُمْ وَبِكُلِّ مَا يُرْدِي الْغَرِيقَ تَعَلَّقُوا وَذَكَرُوا قَوْلَ إبْرَاهِيمَ: كَانُوا يَشْتَرِطُونَ فِي الْحَجِّ، وَلاَ يَرَوْنَهُ شَيْئًا. قال أبو محمد: وَهَذَا كَلاَمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ يَصِفُهُمْ بِفَسَادِ الرَّأْيِ وَالتَّلاَعُبِ; إذْ يَشْتَرِطُونَ مَا لاَ فَائِدَةَ فِيهِ, وَلاَ يَصِحُّ, وَلاَ يَجُوزُ, وَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ, وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ السُّنَّةَ إذَا صَحَّتْ لَمْ يَحِلَّ لأَِحَدٍ خِلاَفُهَا, وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةً فِي مُعَارَضَتِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ, وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ, وَجُمْهُورَ الصَّحَابَةِ, وَالْقِيَاسَ; لأَِنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ دَخَلَ فِي صَلاَةٍ فَعَجَزَ عَنْ إتْمَامِهَا قَائِمًا, وَعَنْ الرُّكُوعِ, وَعَنْ السُّجُودِ: سَقَطَ عَنْهُ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ فَرْضٍ فَعَجَزَ عَنْ إتْمَامِهِ: سَقَطَ عَنْهُ وَلَمْ يُكَلَّفْهُ; وَكَذَلِكَ التَّطَوُّعُ, وَقَالُوا هَاهُنَا: مَنْ دَخَلَ فِي حَجِّ فَرْضٍ, أَوْ تَطَوُّعٍ, أَوْ عُمْرَةٍ, كَذَلِكَ فَعَجَزَ عنهما: لَمْ يَسْقُطَا عَنْهُ; بَلْ هُوَ مُكَلَّفٌ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ. وأما جَوَازُ تَقْدِيمِ لَفْظَةِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ, أَوْ لَفْظَةِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ; فَلأَِنَّهُ قَالَ تَعَالَى:
|